Institute of Theology

 في دورته السابعة والأربعين المنعقدة في دير سيدة البلمند البطريركي

 بتاريخ 23 حزيران 2011

صدر عن أمانة سرّ البطريركية الأرثوذكسية الأنطاكية البيان التالي:

 ففي صميم الأرثوذكسية توق لبناء إنسانية واحدة يوحّدها الإيمان بالإله الواحد، فلا تميّز بين خلق الله من أيّ لون كان أو عرق أو دين. وقد مارست هذا الإيمان من خلال علاقاتها بالمسلمين وبكلّ الكنائس والجماعات المسيحية.

 مستقبل الأرثوذكس في المنطقة مرتبط بأصالة حضورهم وتاريخيته، حضورٌ بُني منذ قرون على أساس من الشركة التامّة مع كلّ إخوانهم. فلا نهضة حقيقية للمنطقة من دون التصدّي معًا وبشجاعة وموضوعية لكلّ ما تعانيه بلداننا من هيمنة، وقهر، وجهل، وفقر، وبطالة.

 يدعو المجمع المقدس أبناءه إلى الالتزام بقضايا أوطانهم وشعوبها والتشبث بأرضهم وإنماء مجتمعاتهم من خلال العمل على إنشاء مؤسسات اقتصادية ومدنية وتربوية تعود بالمنفعة العامة على الجميع وترسّخ وجودهم في أرضهم.

 ويتمنّى المجمع على القيادات السياسية وشعوبها في بلدان المشرق العربي كافة اعتماد لغة الحوار والعقل في حل المشكلات التي يواجهونها، واتباع سياسة من شانها تأمين مصالح المواطنين ولاسيما المباشرة منها كالتعليم المجاني، والضمان الصحي، وتوفير فرص عمل تتيح دخلاً لائقاً وعيشاً كريماً من شأنه المحافظة على الاستقرار والسلم الأهلي والازدهار الاقتصادي ومكافحة الهجرة.

 في لبنان سعى الأرثوذكسيون دوماً إلى بناء وطن للجميع لا تفرقة فيه ولا امتياز. وكان مطلبهم الأساسي الارتقاء بالنظام السياسي في لبنان على مستوى يعتمد على التكافؤ والكفاءة. ولكن في مواجهة المنطق الطائفي السائد في لبنان، نصرّ على ألاّ تُهضَم حقوقنا في المناصب السياسية والإدارية في الدولة، ونطالب بتأمين العدالة الكاملة والعودة إلى اتباع مبدأ المساواة في التعيينات ولا سيّما في المراكز الإدارية العليا (مراكز الفئة الأولى).

 فالأرثوذكسيون ينظرون إلى الدولة على أنها مؤسسة تحتضن كل مواطنيها في إطار من الحرية والمسؤولية. فالدولة، بالنسبة إليهم، هي التي تضمن حرية الطوائف والأفراد، وليست الطوائف هي التي تضمن حرية الدولة. ولما كان للمواطنين الأرثوذكس دور مميز في إرساء رسالة لبنان السمحة ونشرها في المشرق العربي، فلقد جعلوا من المسؤوليات السياسية والإدارية التي تبوأوها وسيلة لتدعيم أسس الدولة لا الانقضاض عليها.

 ولمناسبة تأليف الحكومة الجديدة في لبنان، يتمنى المجمع أن تنجح هذه الحكومة في مواجهة المهام الصعبة من اقتصادية واجتماعية وإدارية، ويدعوها إلى العمل الجدي لحل مشاكل الناس وهمومهم عبر تحقيق العدالة والاستقرار والازدهار للشعب اللبناني العزيز.      

 في ظل الظروف القائمة والتطورات الراهنة التي يشهدها العالم العربي، يتمنى المجمع أن تستعيد سورية، هذه الدولة العربية المناضلة في تاريخها الحديث وفي ماضيها المجيد، استقرارها الداخلي لتتمكّن، بالتوازي مع تحقيق الإصلاحات المنشودة، من أداء دورها الفاعل على الساحة الإقليمية التي كانت، ولا تزال، محور نشاطها وضميرها.

 يرى المجمع أن السلام العادل والشامل في المنطقة لن يتحقق إلا عبر حلّ للقضية الفلسطينية يسمح للفلسطينيين بإقامة دولتهم السيدة والمستقلة في حدود العام 1967 وعاصمتها القدس. فالدولة الفلسطينية حق وطني قومي حان تحقيقه لكي يتمكّن الشعب الفلسطيني، حيثما وُجِد، من العودة إلى وطنه ليعيش فيه بكرامة وسلام واستقرار.

 يرى المجمع أن العالم العربي بحاجة ماسة إلى صحوة عامة، يلتزم فيها القادة والمسؤولون تطوير مجتمعاتهم، وتحديث الدولة، وتثقيف الشعوب، واحترام شرعة حقوق الإنسان. ويدعو الدول العربية إلى الإسهام بفعالية في إرساء حضارة عالمية تكون فيها للروح المشرقية، التي نتميّز بها، المكانة العليا التي تستحق.